الإبحار صوْب الفَخّ

بسم الله الرحمن الرحيم


اتفقت الصحف الإسرائيلية، في شبه إجماع، على أن الطريقة التي تم التعامل بها مع أسطول الحرية، كانت خرقاء لأبعد الحدود، وربما تكون لها تداعيات كارثية على المستوى الدولي.

أحد هذه الأمثلة ما كتبه "آفي ترينجو" في صحيفة يديعوت أحرونوت، تحت عنوان (فشل إسرائيلي متوقَّع):


في مقال سابق نصحتُ وزير الدفاع "إيهود باراك" بأن يزن خطواته بدقة، ويستفيد من أسطول الحرية ليحقق إنجازًا دبلوماسيًّا، إلا أنه كان متعجرفًا لأبعد الحدود، اعتقَد أن بإمكانه الحصول على الكعكة ثم تناولها، لذلك أمر جيشه بانتهاج سياسة مستحيلة، وها نحن نرى النتيجة ماثلةً أمامنا الآن.

كيف إذًَا يتسنى لأي قوات بحرية اعتراض مثل هذا الأسطول؟ أولا: تحذيرٌ واضح باللغة الإنجليزية، أن: (عودوا وإلا أطلقنا النار) ثم: إطلاق النار في الهواء، كإشارة تحذير نهائية على جدية التهديدات، وأخيرًا: إطلاق النار على مروحية السفينة، لشلّ قدرتها على التوجيه والحركة.

هنا فقط، يكون الوقت قد حان للاستيلاء على السفينة باستخدام القوة: تنظيف ظهر السفينة باستخدام رشاشات المياه، رش الزيت على النوافذ (لإعاقة الرؤية)، دفع السفينة، ثم إحكام السيطرة النهائية.

هذه هي الطريقة التي من المفترض أن ينتهجها أي سلاح بحري يحترم نفسه، فقط توجد مشكلة واحدة، تكمن في استخدام القوة وإطلاق النار، وهو بالضبط ما أراد باراك أن يتجنبه، كان يخشى الصورة العامة، لذلك أمر بتنفيذ عملية الاقتحام مبكرًا ليتخفَّى تحت جُنح ساعات النهار الأولى، قبل أن تدخل السفن مياه غزة الإقليمية، (وهكذا أوقع نفسه في الفخ!)

ماذا كنت تتوقع، يا باراك؟

النهجُ الذي اختاره باراك ضعيف ويظهر إسرائيل بلباس الضعف.

إسرائيل بحاجة إلى وزير دفاع بإمكانه تقرير متى يستخدم القوة ومتى لا يفعل، إسرائيل بحاجة إلى وزير دفاع يأمر الجيش باستخدام نوع القوة الذي يوحي بالردع، فلا طائل وراء إرسال قوات الكوماندوز البحرية لتنفيذ مثل هذه العملية- فليست هذه هي المهمة التي تدربوا لأجلها.

حينما تبدو إسرائيل بهذا الضعف، فلا عجب إذن من أن تقوم مجموعة من الغوغاء بمهاجمة أحد أفراد الكوماندوز، ومحاولة إعدامه من غير محاكمة (هذه أحد الأكاذيب الإسرائيلية التي تحاول ترويجها كفرصة أخيرة للهروب) ماذا كنت تتوقع يا باراك؟ أي مهمة مستحيلة تلك التي أرسلت هذه القوات لتنفيذها؟!

في مواجهة هذا الضعف، تَجرأ العديد من المنظمات الدولية على الانتفاض ضد إسرائيل في هذا الوقت، واستمرار سياسة باراك تُجرئ حماس وحزب الله وسوريا، وحتى عرب إسرائيل، على القيام بأعمال استفزازية ضد إسرائيل، ماذا سيصنع باراك بالتحديد إذا رافق الأسطول القادم قطعًا من البحرية التركية؟ هل سيشن باراك حربًا ضد تركيا؟ نحن نعرف الإجابة بالفعل.

إنها وصفة لكارثة إقليمية!

ونتيجة لاستخدام القوة في غير محلِّها، فقدت إسرائيل قوة ردعها، ووُصِم جنودها بالضعف، وحينما يواجهون محنة حقيقية سيكون رد فعلهم الفوري هو استخدام العنف بشكل يجعل صورتنا تظهر بصورة سيئة للغاية.

هذه الوحشية والحماقة الإسرائيلية لها تداعياتٌ استراتيجية: تخلق وضعًا تجد فيه إسرائيل نفسها عاجزة عن استخدام القوة بصورة فعالة، وعلى المدى الطويل تمثل وصفة لكارثة إقليمية.

ورغم ذلك، ليس باراك هو المذنب الوحيد، نحن أيضًا لدينا حكومة إسرائيلية مشوَّشة (بفضل نتنياهو)، في المقابل يوجد شعور في العالم العربي بأن الولايات المتحدة تتخلى عن إسرائيل (بفضل أوباما)، وللراغبين في فهم التداعيات الكاملة لهذا المزيج الخطير لهم أن ينظروا لما حدث في البحر هذا الصباح.

ورغم ذلك لم يفت الأوان بعد، بإمكان نتنياهو طرد باراك فورًا؛ فهو المخطئ في هذا الحادث، بإمكان نتنياهو أيضًا إعلان تغيير سياسة باراك فيما يتعلق بحصار غزة: بإعلان فك ارتباط نهائي وحقيقي عن القطاع، وساعتها إذا أرادت مصر فرض حصار على قطاع غزة، فلن يكون لإسرائيل علاقة بالأمر.