قطع شريان الحياة عن إسرائيل

[center]
بسم الله الرحمن الرحيم

قطع شريان الحياة عن إسرائيل 1_201061_12656

تَعتمد إسرائيلُ بصورة كبيرة على شريانٍ يربطها بالمجتمع الدولي، وللحفاظ عليه موصولًا أنفقت ملايين الدولارات على الحملات الإعلامية التي تُلَمِّعُ صورتها، وتغسل آثار جرائمها، بالكذب والتضليل وبتر الحقائق وتشويهها.

أما وقد سقط القناع على متن أسطول الحرية، وغرقت أكاذيبها في خِضَمّ الدماء التي سالت وسط المياه الدولية، يرى المراقبون، بل الإسرائيليون أنفسهم، أن إسرائيل تخطو أولى خطواتها على طريق التدمير الذاتي بقطع هذا الشريان؛ ذلك أن الرسالة التي تلقَّاها العالم هذه المرة كانت أوضح من أي وقت مضى.

بالأمس، تحدثت أسبوعية ذي إيكونوميست البريطانية حول نفس المعنى، تحت عنوان (عقلية الحصار الإسرائيلية)، مؤكدةً أن (استعراض الحكومة الإسرائيلية للقوة، يجعلها أضعف في الواقع)، بل يجعلها تبدو أمام العالم كـ "بلطجي أخرق" يلجأ بسرعة إلى استخدام العنف غير المبَرَّر، وهذا من شأنه فرض عزلة عليها، وقطع الجسر الذي يربطها بداعميها في الخارج. وهاهي الترجمة:

الهجوم الإسرائيلي المميت على سفينةٍ محملةٍ بمساعدات إنسانية تحاول كسر حصار غزة كان لا بد وأن يثير الغضب، وحُقَّ له أن يفعل، ملابسات الغارة غير واضحة، وربما تظلُّ كذلك رغم إطلاق تحقيقات، لكن الانطباعَ الذي تلقَّاه العالم مرة أخرى وهو يشاهد الحدث يتلخَّص في أن إسرائيل تلجأُ إلى العنف بسهولة شديدة، إن أكثر ما يثير قلق إسرائيل هو تسارع وتيرة انزلاقها صوب العُزْلة، فبعدما كان يُنظَر إليها يومًا كدولة مِقدامة تواجه مجموعة من عمالقة العرب، أصبحت الآن مجرد بلطجي أخرق.

رغبة إسرائيل في وقف أسطول المساعدات عن الوصول إلى غزة لم تكن مبَررة، وبينما كان كل عزمها موجَّهًا إلى تعزيز الحصار، كان النشطاء يعلمون أنهم رابحون في كلتا الحالتين: إذا تمكنوا من المرور، فسيكونون قد فتحوا ثغرة نصر في جدار الحصار، وإذا تم إيقافهم بالقوة، وهم يحملون موادًا إغاثية طبية ومساعدات إنسانية، سينظر العالم إليهم باعتبارهم ضحايا، وبالفعل أُزهِقت الأرواح بشكل لا مبرِّر له بسبب التخطيط الكارثي الإسرائيلي. وقد مثَّلت هذه المأساة، لكل محبي إسرائيل، نقطة البداية لطرح أسئلة أعمق حول الحصار والعزلة الإسرائيلية المتزايدة والطريق إلى السلام.

لقد فشل الحصارُ القاسي المفروض على قطاع غزة، صحيح أن الغزيين عانوا بشدة، لكنهم لم يذعنوا، ولم تُخنَق حماس أو يتم الإطاحة بها، كما تمنَّت إسرائيل وغيرها، ولم يُطلق سراح الجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد شاليط، وما زالت الأسلحة والصواريخ قادرةً على دخول غزة.

أكثر التداعيات دلالة ذلك القلق السائد في أمريكا، الحليف الأكبر لإسرائيل، صحيح أن الأمريكيين لا يزالون متعاطفين مع إسرائيل أكثر من الفلسطينيين، لكن أعدادًا متزايدة، لا سيما من الديمقراطيين واليهود الليبراليين، أضحت لا تستسيغ ما يعتبرونه تأييدًا أعمى لإسرائيل، لا سيما حينما تديرها حكومة متشدِّدة كتلك التي يرأسها نتنياهو.

وهكذا تتسع فجوة التعاطف مع إسرائيل بين الديمقراطيين والجمهوريين، الذين ما يزالون راغبين في دعم إسرائيل بكل الوسائل، ولا أدلّ على ذلك من إعلان رأس الموساد هذا الأسبوع أن أمريكا بدأت تنظر لإسرائيل باعتبارها عبئًا وليست استثمارًا، وهو ما جعل المتشددين من الجمهوريين الأمريكيين، والكثير من الإسرائيليين، يتهمون أوباما بأنه يخون إسرائيل، وباراك أوباما يعي جيدًا أن فشل الفلسطينيين في الحصول على دولتهم يساعد في نشر العداء ضد أمريكا في أنحاء العالم الإسلامي، مما يصعب مهمته في التعامل مع إيران والعراق وأفغانستان، وقد فطن جنرالاته جيدًا لهذه النقطة.

لكن أوباما يُقيِّم سلبيات وإيجابيات علاقة بلاده بإسرائيل، لذلك أدان بناء المستوطنات بشكل أقوى مما فعل سلفه، لأنه يعتبرها عقبةً كَأْداءَ في طريق استئناف محادثات السلام، إن صرامة الرئيس أوباما حيال إسرائيل تصبُّ في مصلحة الجميع، حتى إسرائيل نفسها.

تدور إسرائيل في حلقة مفرغة، فكلما تولى المتشددون فيها زمام الأمور كلما ازدادت كراهية العالم الخارجي لها، وكلما أمعنت في سياسة (اقتل أولًا ثم اسأل ثانيًا)، كلما كثُر أعداؤها في العالم، ورغم أن نتنياهو وافق بعد تردُّد على تجميد بناء المستوطنات وإجراء مفاوضات غير مباشرة، إلا أنه لم يعطِ أي انطباع بأنه مستعدّ لتقديم تنازلات من أجل السلام.

إنها عزلةٌ تفرضها إسرائيلُ على نفسها، وتجعل حياة من يعيشون فيها أسوأ.. وعليها أن تدرك ذلك قبل فوات الأوان.

هكذا صنعت إسرائيل لغزة حفرةً فوقعت فيها، وأرادت حصار القطاع، فعزلت نفسها دوليًّا، وأرادت الإطاحة بحماس، فزادت من قوتِها وشعبيتِها، وأرادت تخويف قوافل كسر الحصار، فأيقظت شعوبًا ما كان ليوقظها سوى صفعات من هذا النوع.

صحيحٌ أن الفاتورة كُتِبت بالدماء، لكن وهل يَنبُت النصر إلا حيث يُروى بالدمِ؟! لا سيما وأن (ما حدث يغذي مشاعر كراهية إسرائيل، ليس في العالمين العربي والإسلامي فحسب، بل في أوروبا أيضًا) كما قالت المجلة.

لم تكن الفرصة سانحةً هكذا من قبل، فهل ننجح هذه المرة في استغلالها، أم ..؟!

شكرااااااااااااااااااا يابراهيم علي الموضوع وجزاك الله كل خير والي الامام دائما بمشية الرحمن